الطفلة التي هزت الرأي العام : قصة مستوحاة من واقع مؤلم عن العنف الأسري

كريم للتدوين
المؤلف كريم للتدوين
تاريخ النشر
آخر تحديث
حين تزوّج والدها من امرأة جديدة، لم تكن ليان تعلم أن حياتها ستتحوّل إلى سلسلة من الألم اليومي.

في زاوية قرية نائية، حيث لا تصل الأضواء إلا بخفوت، وحيث تُسمع أصوات الريح أكثر من أصوات البشر، وُجد بيت صغير يبدو كأي بيت آخر، لكنه كان يحمل خلف جدرانه قصة وجعٍ لا تشبه سواها.

فصل أول: صمت الطفولة

كانت ليان في الثامنة من عمرها، طفلة نحيلة كغصن يابس، بشعرٍ أسود طويل يتدلّى على وجهٍ شاحب. منذ أن فقدت أمها وهي في الخامسة، تغيّر العالم حولها. والدها، الذي كان يومًا حنونًا، صار ظلًا لرجلٍ آخر؛ صامت، منطفئ، غائب عن تفاصيل الحياة.

حين تزوّج والدها من امرأة جديدة، لم تكن ليان تعلم أن حياتها ستتحوّل إلى سلسلة من الألم اليومي. في البداية، حاولت التقرب منها، كانت تناديها «خالتي» كما أوصاها والدها، لكن النظرات الباردة التي كانت تستقبلها بها المرأة، كانت كفيلة بأن تُشعرها أن هذه الكلمة لا محلّ لها من الإعراب في ذلك البيت.

«كنت أحلم أن أستيقظ يوماً دون أن أسمع صوت الصراخ... دون أن أشعر بأنني السبب في كل شيء سيئ يحدث في هذا البيت» — ليان

فصل ثانٍ: حين تصبح الطفولة عبئًا

لم تكن الحياة سهلة منذ اللحظة الأولى. كان على ليان أن تستيقظ قبل شروق الشمس، تغسل الأطباق، تنظف المطبخ، وتحمل أخاها الصغير طوال اليوم حتى لا يبكي. كل ذلك وهي ما تزال في عمر اللعب والكتب والأحلام.

كانت زوجة الأب تعاملها كخادمة، لا كطفلة. كل تأخير، كل غفلة، كل تنهيدة تعب، كانت تقابلها صفعة أو كيٍّ بالنار أو ضربة مؤلمة. كانت ليان تتعلم الصبر على نار حقيقية، على جلدها الصغير.

الجار العجوز "الحاج سليم" كان يسمع أحيانًا صراخًا مكتومًا في الليل. حاول التدخل أكثر من مرة، لكن الأب كان يبرر ذلك قائلاً: «إنها مشاغبة، وتحتاج إلى تربية». وبهذه الجملة، كان يغلق الباب أمام كل محاولة للرحمة.

فصل ثالث: النار التي لم تنطفئ

في أحد الأيام، ارتكبت ليان خطأً صغيرًا — نسيت أن تضع الملح في الطعام. كان ذلك كافيًا لإشعال غضب زوجة الأب التي حملت عصا غليظة، وضربتها حتى فقدت وعيها. حين استفاقت، وجدت نفسها في ركن المطبخ، والدماء تجري من فمها الصغير. لكنها لم تبكِ. لم تعد تملك طاقة للبكاء.

في تلك الليلة، نظرت من النافذة إلى السماء، وقالت بصوت خافت: «يا رب، لو كنتَ تراني، خذني عند أمي». لم تكن تعلم أن دعاءها ذاك سيتحول إلى بداية خلاصها.

فصل رابع: العين التي رأت

في صباح اليوم التالي، كانت تمر ممرضة شابة تدعى ريم من أمام البيت، حين رأت ليان تخرج القمامة بخطوات متعثرة. لاحظت آثار الحروق على ذراعيها. اقتربت منها برفق وسألتها:

— "حبيبتي، ماذا حصل ليدك؟"
— "سقطت على موقد الغاز، خالتي قالت لي لا أخبر أحدًا..."

ارتجفت الممرضة. لم تصدق أن هذا الوجه البريء يمكن أن يُخبئ خلفه هذا القدر من الألم. في تلك اللحظة، قررت ريم ألا تصمت.

اتصلت فورًا بالسلطات الاجتماعية وأبلغت عن احتمال وجود عنف أسري. بعد ساعات، وصلت فرقة من حماية الطفولة، وبدأ التحقيق.

فصل خامس: انكشاف الجحيم

حين دخلت الشرطة البيت، كانت ليان ترتجف في الزاوية. لم تفهم ما يجري، لكنها شعرت بشيء لم تعرفه منذ زمن — الأمان. زوجة الأب أنكرت في البداية، لكنها لم تستطع الصمود طويلاً أمام آثار التعذيب الواضحة على جسد الطفلة.

تم نقل ليان إلى المستشفى حيث تلقت العلاج والرعاية النفسية. الأطباء أكدوا أنها كانت تعاني من سوء تغذية، كدمات، وحروق متفرقة. أحدهم قال: «جسدها تكلم قبل أن تفعل هي».

تدخلت الجمعيات الإنسانية، وبدأت السلطات المختصة بإجراءات حماية الطفلة قانونيًا. أُحيلت زوجة الأب للتحقيق، بينما الأب واجه تهمة الإهمال وسوء المعاملة.

فصل سادس: بداية النور

مرت أسابيع طويلة، وبدأت ليان تستعيد ابتسامتها شيئًا فشيئًا. كانت تخاف من الأصوات العالية، لكنها بدأت تتعلم أن لا أحد سيؤذيها بعد الآن. كتبت في دفترها الصغير الذي أهديته لها ريم:

«كنت أظن أن النار لا تنطفئ أبدًا... لكن هناك نار تقتل، ونار تُضيء. وأنتِ يا ريم كنتِ النور الذي أضاء قلبي.»

تم إيداعها في دار للرعاية، حيث التحقت بالمدرسة للمرة الأولى منذ سنوات. كانت تكتب كثيرًا، وتحلم أن تصبح طبيبة "تعالج الأطفال الذين يخافون من الناس".

فصل سابع: صرخة لكل الضمائر

قصة ليان لم تنتهِ بانتهاء الألم، بل بدأت منها. إنها ليست مجرد قصة طفلة، بل مرآة تعكس مأساة مئات الأطفال الذين يعيشون في صمت تحت وطأة العنف الأسري.

تقول التقارير الصادرة عن منظمة اليونيسف إن ملايين الأطفال حول العالم يتعرضون للعنف المنزلي سنويًا، معظمهم في صمت. ولهذا تعمل منظمات مثل منظمة الصحة العالمية على إطلاق برامج لحماية الطفولة من الإيذاء.

إن العنف ليس تربية، والسكوت عليه جريمة. كل طفل يستحق بيتًا آمنًا، ويدًا حنونة، وصوتًا يدافع عنه حين يُعجزه الخوف.

فصل أخير: رسالة الطفلة التي صمتت النار

في لقاء تلفزيوني بعد سنوات، جلست ليان شابة جميلة تحمل في عينيها آثار ماضٍ لم يندثر بعد، لكنها تتحدث بثقة: «لم أعد أخاف. لأنني عرفت أن من يصمت على الظلم، يمنحه حياة جديدة.»

ثم أضافت بابتسامة خفيفة: «أريد أن أكون صوت كل طفلة صمتت يومًا خوفًا من النار.»

هذه القصة مستوحاة من واقعة حقيقية مؤلمة، أُعيدت صياغتها بأسلوب أدبي إنساني، بهدف نشر الوعي بخطورة العنف الأسري وضرورة حماية الأطفال في كل مكان.

روابط ذات صلة:


💬 سؤال للقارئ:

هل تعتقد أن الصمت عن العنف داخل الأسرة نوع من المشاركة فيه؟ وكيف يمكن للمجتمع أن يحمي الأطفال من العذاب الخفي خلف الجدران؟

تعليقات

عدد التعليقات : 0