🌊 عبد الرحمان الملقب بي(الأسطورة)، بطل المرسى الذي أنقذ روحاً من الغرق
في مساء صيفي هادئ، حيث تختلط رائحة الملح بنسمات الرياح القادمة من البحر، كان عبد الرحمان جالساً في مكانه المعتاد بجانب سلعه البسيطة. رجل كادح، يقتات من عرق جبينه، يفرش بضاعته الصغيرة أمام المرسى على أمل أن يبيع شيئاً يسدّ به رمق يومه ويعود بما يسعد أسرته. لم يكن في باله أن هذا اليوم سيتحوّل إلى قصة بطولية ستبقى راسخة في ذاكرة كل من شهدها.
كان يراقب المارة، ويبتسم للزبائن بين الحين والآخر، يحاول أن يخفي خلف ابتسامته هموماً ثقيلة. لكن فجأة، انقطع روتين يومه البسيط بقدوم طفل صغير، ملامحه مذعورة، أنفاسه متقطعة، وعيناه تمتلئان دموعاً وخوفاً. اقترب الطفل بصعوبة وقال بصوت مرتجف:
– "عفاك عمو… واحد كيغرق فالمرسى!"
تجمّد الوقت لوهلة، لكن عبد الرحمان لم يتردّد، لم يسأل عن التفاصيل، ولم ينتظر أن يتأكد. نهض من مكانه بسرعة، ترك وراءه سلعة كان ينتظر بيعها وتليفونه الذي قد يكون مصدر أمانه الوحيد. جرى بكل ما أوتي من قوة نحو المكان، والطفل يجري خلفه ويده تشير نحو البحر.
حين وصل، وجد جمعاً من الناس مصطفّين على الرصيف، يتابعون المشهد بعيون خائفة وأفواه مفتوحة، لكن دون أن يتحرّك أحد. كان هناك صراخ بعيد، وصوت الأمواج وهي تضرب بقوة، وفي العمق كان جسد صغير يتخبّط بين الحياة والموت. أحد الواقفين قال ببرود: "صافي مشا… ما بقاش أمل".
لكن عبد الرحمان لم يقبل الاستسلام. كانت كل ثانية تمر تعني فرقاً بين الحياة والموت. رمق البحر بعينين ثابتتين، ثم دون تردّد قفز بكل ملابسه داخل المياه الباردة. اندهش الحاضرون، ارتفعت أصوات التكبير والتشجيع، لكن القلق ظل يسيطر على الجميع.
عبد الرحمان لم يكن سبّاحاً محترفاً، لكنه كان يملك قلباً أقوى من الخوف. غاص وسط الأمواج التي حاولت ابتلاعه، وشعر بثقل ملابسه المبتلة، لكن عزيمته دفعت به إلى الأمام. ركّز عينيه على الولد الذي كان يلوّح بيديه في محاولة يائسة للنجاة.
اقترب شيئاً فشيئاً، حتى أمسك بذراع الطفل الذي بدأ يفقد وعيه. كان جسده بارداً، وأنفاسه شبه متوقفة. حمله بكل قوته وبدأ رحلة العودة، بينما الأمواج تدفعه تارة، وتعرقله تارة أخرى. كانت لحظات حاسمة، كل من على الرصيف يتابعها بقلوب متوقفة.
أخيراً، وصل عبد الرحمان إلى اليابسة، يجرّ أنفاساً متقطعة، فيما كان الطفل بين يديه كدمية بلا حراك. وضعه برفق على الأرض، وانحنى فوقه ليبدأ في الإسعافات الأولية التي يعرفها من خبرته البسيطة. ضغط على صدره، ثم نفخ في فمه، محاولاً إعادة الحياة إليه.
ثوانٍ ثقيلة مرّت، حتى فجأة سعل الطفل بقوة وبدأ يخرج ماء البحر من فمه وأنفه. ارتجّ المكان بالتصفيق، وتعالت أصوات "الله أكبر". دموع الفرح نزلت من أعين الواقفين، وهرعت امرأة مسرعة – ربما كانت قريبة للطفل – لترتمي عليه وتضمه إلى صدرها.
أما عبد الرحمان، فقد جلس على الأرض مرهقاً، يلتقط أنفاسه بصعوبة، وابتسامة خفيفة ترتسم على وجهه رغم تعبه. لم يكن يفكر في تصفيق الناس، ولا في الكلمات التي انهالت عليه تشيد بشجاعته. لم يخطر بباله حتى أنه ترك سلعته وتليفونه معرضين للضياع. كل ما كان يشغله أنه أنقذ روحاً بريئة من الغرق، وأن طفلاً سيعود إلى أسرته سالماً.
اقترب منه أحد الشباب قائلاً: "واخا السلعة والتليفون، ما فكرت غير فالولد… هادي هي الرجولة والله". اكتفى عبد الرحمان بابتسامة، ثم تمتم: "السلعة تتعوض… ولكن الروح لا".
لمشاهدة الفيديو على صفحة عبد الرحمان الملقب بي (الأسطورة )في الرابط التالي:
https://www.facebook.com/
share/v/1B1gSxE7Fv/
🔹 البطل الذي لا يعرفه الإعلام
عبد الرحمان لم يكن يبحث عن شهرة، ولم يكن يعرف أن قصته ستنتشر بين الناس. بالنسبة له، ما فعله أمر طبيعي يفرضه الضمير الإنساني. لكن في أعين الشهود، كان بطلاً حقيقياً. بطل لم يرتدِ بدلة رسمية ولا حصل على أوسمة، لكنه امتلك ما هو أثمن: قلب صادق لا يعرف الأنانية.
🔹 دروس من الحادثة
قصة عبد الرحمان تحمل أكثر من رسالة:
-
الشجاعة الحقيقية لا تكمن في القوة البدنية فقط، بل في القرار السريع أمام المواقف الصعبة.
-
التضحية هي أن تضع نفسك في الخطر من أجل إنقاذ غيرك دون انتظار مقابل.
-
اللامبالاة الاجتماعية خطيرة؛ عشرات الأشخاص كانوا يتفرجون دون تدخل، لكن واحداً فقط أنقذ حياة.
🔹 الخاتمة
ذلك اليوم سيظل محفوراً في ذاكرة الجميع. سيكبر الطفل وهو يتذكر أن حياته كانت على بُعد دقيقة من النهاية، لولا رجل بسيط اسمه عبد الرحمان، اختار أن يقف في وجه الموت بدل أن يكتفي بالمشاهدة.
هذه القصة ليست من نسج الخيال، بل من نبض الواقع. قصص الأبطال لا تولد في الكتب فقط، بل في شوارعنا ومرسوانا، حيث يعيش أناس بسطاء يحملون في قلوبهم عظمة لا تُقاس.
فشكراً لعبد الرحمان، ولكل من يشبهه. هؤلاء هم من يجعلون الإنسانية مستمرة، ومن يثبتون أن الخير ما زال ينبض بيننا.