💔 نهاية مأساوية لبطل في زمن الغدر.. جندي متقاعد يُقتل أثناء محاولته فض شجار بوزان
في صباح يوم مشؤوم بمدينة وزان، انطفأت حياة رجل شجاع لم يكن يتوقع أن تدخله لفض نزاع بين شابين سيفضي إلى نهايته التراجيدية. الحادثة التي وقعت في أحد الأحياء الشعبية للمدينة، هزت الرأي العام المحلي، المأساة أعادت إلى الواجهة النقاش حول ظاهرة العنف المتفشي، وانتشار المسكرات التقليدية مثل "الماحيا" بين الشباب.
كان اليوم عادياً في بدايته. الناس في طريقهم إلى أعمالهم، الأطفال إلى مدارسهم، والباعة يفترشون الأرصفة بحثاً عن رزق يومي لا يأتي إلا بشق الأنفس. في هذه الأجواء العادية، وقع ما لم يكن في الحسبان. جندي متقاعد في الخمسينيات من عمره، خرج كعادته صباحاً في نزهة قصيرة، لم يكن يعلم أنها ستكون الأخيرة.
وسط الشارع، ارتفعت الأصوات، وبدأت ملامح شجار تتشكل. شابان في مقتبل العمر، في حالة هيستيرية، يتبادلان السب والشتم، وتدريجياً تحوّل الصراع إلى اشتباك بالأيدي، وسط ذهول وارتباك المارة. أحد الشابين كان يحمل قنينة صغيرة، تبين لاحقاً أنها تحتوي على مسكر "الماحيا"، المعروف بخطورته وسعره الزهيد.
لم يستطع الجندي المتقاعد، والذي عُرف في الحي بسيرته الحسنة وهدوئه وأخلاقه العالية، أن يقف متفرجاً. بدافع من حسه الإنساني والوطني، اقترب منهما في محاولة لإيقاف هذا الشجار قبل أن يتحول إلى كارثة. حاول تهدئة النفوس، مد يده ليبعد أحد المتشاجرين، وقال عبارته الشهيرة حسب شهود عيان: "حشومة عليكم، راكم دراري، راكم تفسدوا فبعضياتكم على والو."
لكن الأمور كانت قد خرجت عن السيطرة. أحد الشابين، وفي لحظة غضب وانفلات نفسي، استل سكيناً صغيراً كان يخفيه بين طيات ملابسه، وغرسه بقوة في صدر الجندي المتقاعد. طعنة واحدة كانت كافية لإسقاطه أرضاً، وسط بركة من الدماء.
ساد الذعر. تجمهر الناس، ارتفعت الصرخات، بعضهم حاول التدخل، وآخرون ظلوا في حالة صدمة غير مصدقين ما حدث أمام أعينهم. حضرت سيارة الإسعاف بعد دقائق، لكن الوقت كان قد فات. الجندي لفظ أنفاسه الأخيرة في عين المكان، قبل حتى أن يُنقل إلى المستشفى.
السلطات الأمنية حضرت بسرعة وبدأت في تمشيط المنطقة، فيما تم فتح تحقيق تحت إشراف النيابة العامة. الجاني، الذي كان تحت تأثير المسكر، حاول الفرار، لكنه لم ينجُ طويلاً. تم اعتقاله بعد ساعات قليلة من الحادثة، مختبئاً في منزل مهجور قريب من الحي.
المفاجأة التي زادت من ألم الحادثة هي أن الجاني من أبناء الحي نفسه، ويعرف الضحية معرفة شخصية، ما جعل الصدمة مضاعفة بالنسبة للسكان. أحد جيران الجندي صرح قائلاً:
"هاد السيد معروف بالخير والنية، عمرنا ما شفناه داخل في مشكل. كان بحال الأب لكلشي، الله يرحمو ويرزقو الجنة."
وبينما كانت عائلة الضحية تستعد لتشييع جثمانه، غرق الحي في حزن عميق. الزوجة، التي بدت منهارة، لم تستوعب كيف خرج زوجها من المنزل وهو مبتسم، وعاد إليها جثة هامدة. أبناؤه، الذين لا يزالون يتابعون دراستهم، فقدوا سندهم الوحيد في الحياة. والمجتمع، بكل مكوناته، خسر مثالاً لرجل وطني لم يتردد لحظة في أداء واجبه الإنساني حتى وهو خارج الخدمة.
لكن الحادثة لا تقف عند حدود الجريمة فقط. بل تفتح النقاش مجدداً حول ظاهرة انتشار المسكرات التقليدية، وخاصة "الماحيا"، التي أصبحت في متناول القاصرين والمراهقين، وتُباع أحياناً أمام المدارس والأحياء الهامشية. كما تُطرح تساؤلات حول دور الأسر، والرقابة الأمنية، والمؤسسات التعليمية في التصدي لهذا الخطر الذي يُهدد مستقبل الشباب.
فالأمر لا يتعلق فقط بجريمة قتل. بل نحن أمام مشهد اجتماعي خطير يُنذر بتفكك القيم، وضعف السلطة الأخلاقية في الأحياء، وانتشار السلوكيات العدوانية التي تقود إلى مآسي.
الفقيد، حسب تصريحات أسرته، قضى أزيد من 25 سنة في الخدمة العسكرية، وشارك في عدة مهام وطنية. وكان حلمه بعد التقاعد أن يفتح محلاً صغيراً يعيل به أسرته. لكن الحلم انتهى بطعنة جبانة من شاب طائش.
في جنازته، حضر العشرات من أهالي المدينة، زملاؤه القدامى في الخدمة، وممثلو المجتمع المدني. وقد رُفعت أصوات تطالب بـ "رد الاعتبار لهذا الرجل"، وبإطلاق حملة واسعة لمحاربة تجار "الماحيا" الذين يحوّلون أحياءنا إلى بؤر للعنف والانحراف.
نعم، مات الجندي المتقاعد، لكنه مات واقفاً. لم يمت خائفاً أو مختبئاً، بل رحل وهو يحاول إنقاذ أرواح الآخرين، وهذه وحدها بطولة تستحق الذكر. فلنكرم اسمه، لا فقط بالبكاء، بل بتحرك جماعي يوقف هذا النزيف الاجتماعي الخطير.